الأحد، 26 أغسطس 2012

ماذا أرتنا مرآة غينيا وبماذا أشارت علينا الخسارة وديا؟

ماذا أرتنا مرآة غينيا وبماذا أشارت علينا الخسارة وديا؟






الفريق الوطني مع غيرتس مهدد بالسكتة القلبية
في مرآة منتخب غيني قادته الأقدار ليكون لنا محكا وديا صريحا في لحظة فارقة من زمن كروي أسود، رأى الفريق الوطني وجهه عاريا من كل المساحيق، وتبين له ما كان فيه من قبح ومن تشوه في الأداء وفي النفسيات والتركيبة البشرية.
لم نكن لننتبه للنتيجة من أي طبيعة كانت، برغم كل الذي يتداعى عند الخسارة في اللقاءات الودية من قهر نفسي ذي تأثير عميق، فالمحكات التجريبية يراد منها بالأساس قياس درجة الجاهزية والوقوف على الأخطاء، أخطاء التوظيف، أخطاء النهج وأخطاء التدبير أيضا.
ما كنا لنهتم كثيرا بالهزيمة الودية أمام غينيا لولا أن المباراة أدخلتنا فعلا في أنفاق الشك، إن لم تكن قد جلبت لنا اليأس من فريقنا الوطني وهو في عهدة المدرب «العالمي» إريك غيرتس، فما شاهدناه من تشوهات تكتيكية ومتناقضات في مسالك التفكير وضعف في السيطرة على الأشياء يقول بأن الأسود عادوا مجددا إلى الحضيض.
الضارة النافعة
قبل أن يقبل الفريق الوطني على مباراته الودية والتي أصر غيرتس على أن يجريها على مدى يومين وفي ليلة عظيمة ومباركة، كان صك الأحكام الصادر بعد الجولتين الأوليين لإقصائيات كأس العالم 2014 واللتين شهدتا إهدار أسود الأطلس لأربع نقاط بعد أن إكتفى بالتعادل أمام غامبيا هناك ببانغول وأمام كوت ديفوار هنا بمراكش، يقول بأن الفريق الوطني وإن كان لم يخرج فعليا من السباق الشرس لنيل البطاقة التأهيلية الوحيدة المتاحة له في مجموعته، إلا أنه قدم إشارات واضحة على وجود حالات كثيرة من الإختلالات مصدرها الأساسي والمخيف هو الضعف البين الذي أظهره غيرتس في تركيب الفريق الوطني بالصورة التي تطابقه مع إمكاناته ومع ما يتطلبه التأهل عن مجموعة قوية من صلابة عود وتحتفظ له بنواته الصلبة، أي باستقراره البشري والتكتيكي.
ولم نكن لنأخذ بالذي تحقق في بطولة العرب التي توجت منتخب المحليين باللقب العربي الأول له، لنرفع كل تحفظ بشأن الضعف البين الذي أصبح يظهره المسيو غيرتس في تدبر المرحلة، فقد كانت هذه الكأس العربية التي غاب عنها الكبار فرصة لتظهر كم هي غنية وواسعة قاعدة إختيار عند الناخب الوطني.
والحقيقة أن المباراة الودية أمام غينيا كانت لنا بمثابة الضارة النافعة، فبرغم أنها برمجت في ليلة القدر المباركة إلا أن ما أفرزته قبل وبعد إجرائها يعزز في واقع الأمر ما ذهبنا إليه من أن غيرتس دخل منذ وقت بعيد تحديدا منذ الخروج الصاغر والصادم من الدور الأول لنهائيات كأس إفريقيا للأمم الأخيرة بالغابون وغينيا الإستوائية متاهة لا يدري كيف يخرج منها أو أنه فاقد للقدرة على الخروج منها، وكل هذا يقطع الشك باليقين أن الرجا الذي وهبت له صفة العالمية بسخاء كبير يعيش حالة فظيعة من التخبط التي تفقد القدرة على ملامسة الأشياء بكثير من الوضوح.
الصدمة القوية
لربما شعر غيرتس وهو يدخل بعد مباراتي غامبيا والكوت ديفوار أنه لسبب أو لآخر فقر نفسه وضيق الخناق على إختياراته عندما ضرب التوازنات ونزع عن الفريق الوطني نواته البشرية الصلبة أي الثوابت التي تستقر بالأداء الجماعي وتحفظه ضد التخريب، ظهر ذلك واضحا عندما وضع لائحته الأولى في أفق مواجهة منتخب غينيا وديا، لائحة توسعت لتستعيد عناصر كانت قد أقصيت لضعف تنافسيتها (الشماخ والحمداوي ) وأخرى كانت على خصام ممنهج معه (تاعرابت) وثالثة ظن أنها تعمدت الغياب بسبب الإصابة أو الإنشغال بنواديها الجديدة بوصوفة ، بلهندة، أمرابط والسعيدي).
ولأن الناخب الوطني لا يضع لائحة أولية وبعدها اللائحة النهائية إلا بعد أن يكون قد أيقن من جاهزية العناصر المستدعاة ومدى الحاجة إليها ومدى إستعدادها لدخول المعارك الكروية القادمة بإلتزام معنوي ورياضي كامل، ما يقول بضرورة أن يكون قد إلتقى بها أو حتى تواصل معها، فإن ما سيحدث بعد الكشف عن اللائحة النهائية من إعتذارات حاول غيرتس أن يقدم لها مبررات في الندوة الصحفية التي سبقت المباراة، إما بسبب الإصابات التي أصبحت سمة ملازمة للفريق الوطني قبل مبارياته الرسمية أو الودية على حد سواء، وإما أن من اللاعبين من تركوا لأنديتهم الجديدة التي إلتحقوا بها حديثا وكأن هذه الأندية أهم من الفريق الوطني، سيصيبنا جميعا بالصدمة، فالمبررات التي تفضل السيد غيرتس بتقديمها للرأي العام الرياضي المجروح في كبريائه، لا يمكن الأخذ بها، بل إن أكثرها يدل دلالة قاطعة على أن هناك تجاوزات خطيرة تقول باختصار شديد أن غيرتس تجاوزته الأحداث وأصبح فاقدا للسيطرة على مجموعته حتى أن لاعبين أحالوه على وكلاء أعمالهم ليعرف إن كان من مصلحة اللاعب أن يلعب هذه المباراة أو تلك، أي صفاقة وأي إستهثار أكبر من هذا؟
مدرب فقد البوصلة
وسواء كان غيرتس قد أصابته النتائج السيئة المتلاحقة على الفريق الوطني بالعجز، فما عاد قادرا على فرض شخصيته على لاعبيه، أو أنه أكره بتحريض من الجامعة على تقديم تنازلات، فإن النتيجة تبقى واحدة هي أن غيرتس فقد البوصلة، وما دام هو من أمناه على مركب الفريق الوطني فليس غريبا أن يتهدد هذا المركب الغرق.
لئن كانت مبارتا غامبيا والكوت ديفوار اللتان كان الفريق الوطني محظوظا في الحصول منهما على نقطتين، قد أبرزتا وجود مجموعة من الإختلالات التي تضرب التوازنات وتجعلنا نشك في أن يكون غيرتس ثابتا على ذات المبادئ التي جاءنا بها، فإن مباراة غينيا كوناكري الودية كشفت عن وجود عديد من التشوهات التكتيكية وذات طابع تنظيمي هو ما يبرز في العادة شخصية المدرب والجانب الإبداعي فيها، ما يقول بأن الفريق الوطني عاد مجددا ليغرق في مستنقع الرداءة وليؤشر على أنه عاد ليسقط في الحضيض والذي أعطانا غيرتس ذات وقت أنه إرتفع بنا عنه قليلا.
كثيرة هي الأسئلة التي تداعت بعد المحك الودي أمام غينيا كوناكري، وهي أسئلة ساخنة ومن صميم اللحظة الحزينة التي يمر منها الفريق الوطني، أسئلة صاغتها المشاهدة المجردة والموضوعية والتي لا محاباة ولا مزايدة ولا تشنج فيها.
هل إقتنع غيرتس بالذي شاهده مجسدا بالأداء الجماعي على أرضية الملعب؟
هل أيقن أن الإختيارات التي تمخض عنها طول تفكيره منذ مباراة الكوت ديفوار قد إحترمت المنطق المهني والتقني ولم تكن نتاج ضغط إنتهى إلى تنازلات من أي طبيعة؟
هل رضي على نفسه وعلى منظومة عمله وهو الذي يقترب من سنتين قضاهما على رأس الفريق الوطني، والأداء الجماعي يتراجع بشكل مهول ومخيف؟
وهل يتصور غيرتس أن باستطاعته أن يناقض الوضع الحالي الذي هو أحد أكبر صناعه، ويأتي للفريق الوطني بالصورة التي تعيد الآمان والإطمئنان؟
في جملة واحدة.. هل بيننا من يظن أن غيرتس ما زال هو رجل المرحلة؟
لا خير يرجى منه
عرفت وعرف أمهر المحللين التقنيين أن إيريك غيرتس مفتون بطريقة 4ـ2ـ3ـ1، وهي للأمانة أحدث التقليعات التكتيكية، إذ فيها مزج قوي بين العهد الرومانسي لكرة القدم الذي كان يؤمن بضرورة أن تكون لكل فريق أظهرة وأجنحة تتناوب على الشقين الدفاعي والهجومي لإغنائهما وبين الواقعية الحديثة التي توجد مساحات للإبداع الفردي والجماعي هجوميا، إلا أن ما عرفتنا عليه المباريات الأخيرة للفريق الوطني والتي كانت كلها مجلبة للعار وللحزن العميق، هو أن السيد غيرتس أبعد ما يكون قادرا على تقديم وحدة تكتيكية تكون بمثابة بطاقة تعريف بها يستدل على شخصية الفريق الوطني، إن الفوضى العارمة التي تطبع الأداء الجماعي إلى الحد الذي يضعف قدرات اللاعبين التقنية والبدنية والنفسية أيضا، ما هي إلا دليل على أن غيرتس فاقد لشيء نحتاجه اليوم في زمننا الكروي الأسود، مدرب يعطي لهذا الفريق شخصية قوية وحضورا وازنا وشكل أداء متطابق.
وكدليل على قوة التخبط وفظاعة الهذيان التكتيكي والعجز الكبير عن تدبر مرحلة دقيقة وخطيرة ما يأتي به غيرتس من بدع، أنه عند إصابة لاعب ما حتى وإن لم يكن أساسيا، فإن من ينادي عليه بديلا يصبح في لمح البصر لاعبا رسميا، والمثير للدهشة أن اللاعب البديل الرسمي من دون سابق إنذار ويتلقى إشادة من غيرتس لا ينادى عليه في المباراة الموالية، حدث هذا مع كمال شافني الذي أستدعي بديلا للعيساتي فوجد نفسه لاعبا أساسيا في مباراتي غامبيا والكوت ديفوار ثم لا يلتفت إليه في مباراة غينيا الودية، وحدث الشيء نفسه مع حمزة بورزوق الذي أنقذنا من الهزيمة أمام الفيلة بهدفه الجميل فكان جزاؤه برغم ما تلقاه من مديح أن همش في كأس العرب ولم يستدع أمام غينيا، وتوقعنا أن يكون عبد السلام بنجلون مجرد بديل لأمرابط المعتذر فإذا به يلعب مباراة غينيا كاملة، فكيف تحول بنجلون من لاعب موضوع في القائمة الإحتياطية وينادى عليه إضطراريا ويصبح لاعبا أساسيا بلا أدنى قيد أو تحفظ.
كثيرة هي الأشياء التي توصف في عمل المدربين على أنها مرفوضة ولا يدعمها أي منطق، نراها اليوم مجسدة في عمل وأسلوب غيرتس، وفي ذلك تأكيد على أن الرجل أفلس ومن العبث أن نبقيه على رأس العارضة التقنية للفريق الوطني، فما من خير يرجى منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق